( 1 ) |
قد آن ياكيخوت للقلب الجريح |
أن يستريح ، |
فاحفر هنا قبراً ونم |
وانقش على الصخر الأصم : |
" يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ، |
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ، |
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام . |
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان |
إن عد فرسان الزمان |
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس |
كره المنافق والجبان |
مقدار ما عشق الحقيقة . |
قولوا " لدولسين " الجميلة (1) .. |
" أَخْطَابَ (2) " .. قريتى الحبيبة : |
" هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة .. |
لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ، |
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص .. |
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! " . |
( 2 ) |
- ها أنت تقفز للنهاية ، |
- هلا حكيت من البداية . |
- ولمن أقول ؟ ! |
- هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية : |
- ألها عقول ؟ |
- ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ، |
أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ ! |
( 3 ) |
يا سيداتى يا أميراتى الحسان .. |
أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ، |
ولتنطق الأفعال من قبل اللسان .. |
... ... ... ... ... ... |
من أين أبدأ والظلام ، |
يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام ! |
عرجاء حتى الذاكرة .. |
والذكريات ! |
يا سيداتى معذرة .. |
أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ، |
وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف ! |
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ، |
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ، |
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ، |
الصمت حرف لايُخَط ولا يقال .. |
الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ ! |
عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات . |
" مم الضحك ؟ ! " |
( 4 ) |
- " الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد .. |
كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت - قلت - هو الجحيم ! |
- " لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ ! |
الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ ! |
ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها .. |
الحرف يذبل يا أميراتى الحسان .. |
ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان ! |
حلفتكن بكل غال ، |
هل ما تزال .. |
فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! " |
( 5 ) |
من أنت ؟ .. تطعنك العيون ، |
وتظل تنزف ، والسنون .. |
تمضى كأسراب السحاب .. |
فى الصيف .. تبخل بالجواب ! . |
من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب ! |
ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب |
ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر ! |
( 6 ) |
" حدقن .. أمعن النظر .. |
هذا حصانى جائزة .. |
تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! .. |
تضحكن ثانية أميراتى الحسان ! |
بعيونكن ألا فقلن .. |
أمن الحصان على الهزال .. |
تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! " |
( 7 ) |
- قدم اليهن البطاقة ! |
- ما من بطاقة . |
- قدم اليهن الجواز ! |
- ما من جواز . |
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع ! |
- يا للضياع ! |
وتظل تنهشك الوحوش ، |
هذى العيون الخاليات من الرموش ! |
لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال .. |
- كل ابن كلب - |
" من أنت ؟ " .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب ! |
وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب ! |
- يا .. كلاب .. |
كبدى خذوه .. |
يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ، |
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !! |
- لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية |
أخطأت أنت كما هم أخطأوا .. |
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ ! |
انا لتعجزنا الحياة .. |
فنلومها .. لا عجزنا ، |
ونروح نندب حظنا ، |
ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا ! |
- هو عصرنا ! |
- لكننا لسنا به الفرسان .. |
نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ، |
والأرض بالأبطال ملأى حولنا ! |
- ملأى .. ولكن باللصوص ! |
- الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ ! |
لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : " عظيم أو قمىء " ! |
- إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة ! |
أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ، |
عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ ! |
أرأيت يوما ضفدعه .. |
ما بين فكى أفعوان ؟! |
من ها هنا بدء الحكاية |
يا قريتى .. يا عالمى .. |
يا عالمى .. يا قريتى .. !! |
( 8 ) |
" ياسيداتى يا أميراتى الحسان .. |
إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء ! |
لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ، |
فى مذود يوما ولدت ! |
فى قريتى " أخطاب " .. حيث الناس من هول الحياة ، |
موتى على قيد الحياة ! |
لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ، |
ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ، |
ولا الملائك باركوا مهدى .. |
ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة ! |
قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل .. |
حتى الفجر ! |
وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر .. |
بدروبها من ألف جيل |
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت .. |
فالناس من هول الحياة .. |
موتى على قيد الحياة ! |
( 9 ) |
وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ، |
لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ، |
وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ، |
وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ، |
وعلى القبور ، |
وأنا أدندن أغنية : |
" يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين " ! |
وسمعت ضفدعة بقربى تستجير .. |
كانت بفكَّىْ أفعوان ! |
عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ، |
غابت وغاب الأفعوان : |
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ ! |
( 10 ) |
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان .. |
وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ، |
عن ظهر قلب . |
ونسيتها عن قلب ظهر ! |
إلا علامات على جسمى لضرب . |
- بهراوة عمياء - مثل بقية الوشم القديم ، |
وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ، |
والفعل - فعل الأمر - " اقرأ ! " |
فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم .. |
والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر .. |
ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت : |
" قَرَّباَ مربط النعامة منى .. |
لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى " ! |
( 11 ) |
لكنهم قتلوا النعامة ! |
كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ، |
كم مرة قصوا بمقراض الحمير .. |
قصوا الشوارب والشعور ، |
ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ، |
كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى |
أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ، |
كم مرة غنت بهية .. |
ياسينها المقتول من فوق الهجين ! |
ياهول معركة الأفاعى والضفادع . |
( 12 ) |
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان .. |
ورحلت يوماً للمدينة ، |
فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة |
كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب .. |
وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع ! |
لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ، |
غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ، |
غير الزحام ، |
وضجيج آلاف الطبول ، |
ونذير أجراس الترام . |
يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ، |
وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ، |
ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ، |
وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف .. |
حيرى تفتش عن رغيف ! |
والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح : |
( من يشترى ؟ - وبكم تبيع ؟ ! |
يفتح اللّه - اتفقنا ! - يابلاش ! ) |
وهنا يباع ويشترى .. |
ياسيداتى .. كل شىء ! |
حتى الترام يباع فى وضح النهار .. |
للقادمين من القرى .. ! |
يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن .. |
لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن ! |
( 13 ) |
كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟ |
بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ، |
بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟ |
كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟ |
من هؤلاء ؟ ! |
ما هؤلاء ؟ ! |
وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ، |
وتغوص كى تطفو - صغيراً أنت كنت - ! |
ما غير هذا حوت يونس ، |
ما غير هذا .. أنت توشك تختنق ! |
وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء .. |
حتى لُفظت إلى الرصيف ، |
فجعلت تهتف من هناك .. |
وبمثل صوت الضفدعه ، |
كيخوت وحدك .. بالرغيف .. |
وسقوط " باشا " كان فى اخطاب فى القصر الكبير ، |
واذا بكف كالجبل .. |
تهوى عليك .. على قفاك .. |
كى تنكفىء .. |
فوق الرصيف ! |
كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ ! |
هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ، |
جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات .. |
ومدرعات . |
محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ، |
لا من حديد ! |
حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ ! |
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان .. |
من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء .. |
فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد |
يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى .. |
كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء ! |
( 14 ) |
ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب . |
يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى ! |
والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد ! |
الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ ! |
الحرف قديس - إذا ما كنت قديساً - وداعر .. |
ان كنت بين الناس داعر ! |
يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر ! |
- ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس .. |
قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ، |
فإذاك تخلط أى شَىء .. |
بأى شىء ! |
واذا طواحين الهواء عمالقة ، |
واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ، |
واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ، |
واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) ! |
يا للخديعه الكذب .. |
يا أيها الآتون من بعدى الحذار .. |
كل الحذار من الكُتُب ! |
( 15 ) |
- أنكون .. |
ياترى أم لا نكون ! |
أمن الحكمة أن نحيا الحياة .. |
كيفما كانت .. ونرضى حظنا ، |
أم نخوض البحر فى هول الصراع .. |
عزلا .. دون شراع ، |
أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ ! |
يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون .. |
أنكون .. |
ياترى أم لانكون ! |
- يا سؤالا حائراً منذ قرون ، |
هائما ليس يقر ! |
- أيها الهاتف من أنت ؟ ! |
- أنا بصقة قبر ! |
- أنا خفاش عجوز ، |
يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ، |
أيها الضارب فى التيه بليل .. |
كيف فى التيه المفر ؟ |
يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر ! |
- انتحر ؟ ! |
- راحة الراحات ، ترياق الألم ، |
وخلاصات خلاصات الحكم .. |
أنت لاتملك غير الكلمات ، |
حيلة العاجز عن كل الحيل |
( كلمات .. كلمات .. كلمات ) |
غُصْنُ صفصاف هزيل .. |
أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر ! |
أوشك الديك يصيح ، |
وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ، |
فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر .. |
وليكن وشْك لقاء ! |
- أيها الهاتف قف .. |
أيها الهاتف قف .. |
...................... |
أنكون .. |
يا ترى .. |
أم لا نكون !! |
( 16 ) |
فتوى ! |
- أعطوا لقيصر ما لقيصر ، |
وللاله .. |
ما للاله ! |
- فما الذى تعطى لنا ؟ ! |
- ماذا تبقى عندكم ؟ |
- لم يبقى شىء .. |
- فاهنأوا .. طوبى لكم ! |
( 17 ) |
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..! |
صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ، |
وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ، |
لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة ! |
ياسيداتى معذرة .. |
ان كنت قد جانبت آداب اللياقة . |
أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان " ابن هانىء " .. |
فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول .. |
ما لاتريد ، |
أو أن تريد ولا تقول ! |
قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل .. |
ان خفت ) .. لكنى أقول : |
الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف ! |
قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد .. |
لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل : |
" الملك عريان " .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه .. |
فليلقنى خلف الجبل ! |
انى هنالك منتظر .. |
والعار للعميان قلبا أو بصر ، |
وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر ! |
_________________ |
1- دولسين ­ الحبيبة الوهمية لدون كيخوت . |
2- أخطاب قرية الشاعر . |
3- التعبير لدانتى ­ مطلع الكوميديا الالهية |